اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
148370 مشاهدة print word pdf
line-top
ورع سعيد بن المسيب

وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا، مع أن سعيد بن المسيب من علماء التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، ومع ذلك لا يذكرون عنه كثيرا في التفسير، ليس كابن عباس وليس كمجاهد ونحوه فهو يقول: إنا لا نقول في القرآن شيئا، يعني: كأنه يقول: لا نقول فيه بغير علم.
وقال الليث حدثنا عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب هذا أيضا إسناد صحيح؛ فإن الليث بن سعد عالم مصر يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري العالم المشهور عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يتكلم في المعلوم من القرآن، لا يتكلم في الشيء الذي يعلمه، فهذا سعيد بن المسيب من باب الورع.
وقال شعبة عن عامر بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء يعني عكرمة فكان ابن المسيب يتحرج أن يفسر آية في القرآن مخافة أن يقول فيها بغير علم مع أن كثيرا من السلف رحمهم الله فسروا القرآن ولا يزالون، أحاله على عكرمة مولى ابن عباس وادعى أنه لا يخفى عليه منه شيء؛ يعني أن عكرمة كان يفسر القرآن وسعيد يتحرج من تفسير القرآن.
وقال ابن شوذب حدثنا يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام -وكان أعلم الناس- فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
تدل هذه الآثار على أن سعيد بن المسيب يتورع عن أن يفسر آية في القرآن؛ ولذلك تقل الأسانيد عنه بالتفسير؛ يعني ما نقل عنه تفسير إلا شيء يسير.
وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا عبيد الله بن عمر هذا أيضا إسناد جيد. عبيد الله بن عمر هذا هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب من علماء التابعين وأجلائهم يقول: لقد أدركت فقهاء المدينة ولعله يعني الفقهاء السبعة الذين ذكرنا أن الفقهاء في المدينة سبعة نظمهم الناظم بقوله:
ألا إن من لا يقتــدي بأئمــة
فقسْمَتُهُ ضيزى عن الحق خارجه
فقل هم عبيد الله عـروة قاسـم
سعيـد أبو بكـر سليمان خارجــة
يقول: أدركتهم وإنهم ليعظمون القول في القرآن هيبة؛ يعني يهابون أن يقولوا في القرآن وذكر منهم: سالم -عده بعضهم من الفقهاء السبعة وأكثرهم لم يعدوه - والقاسم بن محمد منهم سعيد بن المسيب منهم نافع مولى ابن عمر ما عدوه من الفقهاء السبعة ولكنه من فقهاء المدينة .

line-bottom